قال رحمه الله تعالى: (ومعلوم أنه لو بلغ صبي أو أسلم كافر أو طهرت حائض أو أفاق مجنون والوقت باق لزمتهم الصلاة أداء لا قضاء)؛ فهؤلاء أراد شيخ الإسلام أن نتخذهم أنموذجاً ونقيس عليهم الذي لم يبلغه خطاب التكليف، فالصبي قبل البلوغ لا تجب عليه الصلاة وإن كان يندب إليها ويحث عليها ويعلمها، لكن الوجوب المتعين إنما يكون بعد البلوغ، فلو بلغ صبي في وقت فريضة من الفرائض، أو أسلم كافر في وقت فريضة من الفرائض، أو كانت امرأة حائضاً فطهرت في وقت فريضة من الفرائض، أو كان رجل مجنون فأفاق في وقت فريضة من الفرائض، وما يزال في الوقت متسع لأدائها، فإن عليهم أن يصلوها، وتكون أداءً لا قضاءً، كحال النائم والناسي الوارد حكمهما في حديث: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ) فكذلك هنا، فوقتها متى ما ظهرت عليه علامة البلوغ إن كان صبياً، أو أسلم إن كان كافراً، أو طهرت إن كانت حائضاً، أو أفاق إن كان مجنوناً.
قال رحمه الله تعالى: (وإذا كان بعد خروج الوقت فلا إثم عليهم)، وليس في ذمتهم أن يؤدوا تلك الفريضة التي ذهب وقتها، إذ التكليف لم يحصل بعد.
قال رحمه الله تعالى: (فهذا المسيء الجاهل إذا علم بوجوب الطمأنينة في أثناء الوقت وجبت عليه الطمأنينة حينئذٍ ولم تجب عليه قبل ذلك، فلهذا أمره بالطمأنينة في صلاة ذلك الوقت دون ما قبلها) أي: التي قد صلاها ولم يطمئن فيها، وإلا لكان في ذلك من الحرج والمشقة ما الله به عليم، ولكن من لطف الله تعالى أنه ما جعل علينا في الدين من حرج، وأنه بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة، ولله الحمد.
قال رحمه الله تعالى: (وكذلك أمره صلى الله عليه وسلم لمن صلى خلف الصف أن يعيد، ولمن ترك لمعة من قدمه أن يعيد الوضوء)؛ لأن الصلاة تترتب على الوضوء (وقوله أولاً -أي: للمسيء في صلاته-: (صل فإنك لم تصل) تبين أن ما فعله لم يكن صلاة، ولكن لم يعرف أنه كان جاهلاً بوجوب الطمأنينة، فلهذا أمره بالإعادة ابتداءً ثم علمه إياها لما قال: (والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا) فهذه نصوصه صلى الله عليه وسلم في محظورات الصلاة والصيام والحج فيمن ترك واجباتها مع الجهل، وأما أمره لمن صلى خلف الصف أن يعيد؛ فذلك أنه لم يأت بالواجب مع بقاء الوقت، فثبت الوجوب في حقه حين أمره النبي صلى الله عليه وسلم لبقاء وقت الوجوب، ولم يأمره بذلك مع مضي الوقت، وأما أمره لمن ترك لمعة في رجله لم يصبها الماء بالإعادة؛ فلأنه كان ناسياً فلم يفعل الواجب، فكان كمن نسي الصلاة وكان الوقت باقياً، فإنها قضية معينة بشخص لا يمكن أن يكون في الوقت وبعده، أعني أنه (رأى في رِجْل رَجُل لمعة لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة) رواه أبو داود ، وقال أحمد بن حنبل : حديث جيد.
يعني أن هذا الرجل الذي بقي من رجله مثل الدرهم يعرف أن الوضوء واجب، وأنه شرط لابد منه للصلاة، ويعلم أن الوضوء لابد فيه من أن يكون سابغاً، فتوضأ ونسي ذلك المقدار، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يعيد الوضوء وأن يصلي بوضوء كامل، فالفرق بين المسألتين أن الوقت في حق تارك اللمعة كان باقياً، وأن القضية شخصية تتعلق بهذا الرجل، فلا نأخذ منها قاعدة كما أخذ بعض الفقهاء، حيث قالوا: كل من ترك واجباً عليه أن يعيده، بل نقول: هذا حاله غير حال الذي لم يبلغه الخطاب بعد، وكذلك الذي لم يلتزم الخطاب ولو كان يعلم الحكم، لكن لم يلتزم به، وكان تاركاً له عن عمد وعن إصرار، فلا يقاس عليه.
فقضية تارك اللمعة من غير وضوء حالة معينة تخص ذلك الرجل ومن كان مثله، فلو أنك رأيت أحداً ترك شيئاً من أعضاء الوضوء فأرشدته إليه، أو ترك واجباً من واجبات الصلاة أو ركناً من أركانها ولم يأت به فنبهته إلى ذلك؛ فإنه يجب عليه أن يأتي به.
قال رحمه الله تعالى: (وأما قوله: ( ويل للأعقاب من النار ) ونحوه؛ فإنما يدل على وجوب تكميل الوضوء، ليس في ذلك أمر بإعادة شيء).
أي أن قوله صلى الله عليه وسلم: ( ويل للأعقاب من النار ) ليس كما فهم منه بعض الفقهاء أنه يجب على الرجل أن يعيد كل صلواته التي صلاها ولم يكن يسبغ الوضوء، إنما يدل على وجوب تكميل الوضوء، فهذه حالة الجاهل الذي لم يبلغه الخطاب.